الصفحات

قال صلى الله عليه وسلم: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر» .

الخميس، 5 يوليو 2012

مؤلف اميركي: الصهيونية المسيحية خطر على اسرائيل وفلسطين واميركا والسلام

مؤلف اميركي: الصهيونية المسيحية خطر على اسرائيل وفلسطين واميركا والسلام

بوسطن، لندن - - يرى مؤلف كتاب "القدس، القدس: المدينة القديمة التي اشعلت العالم الحديث" جيمس كارول الذي سيصدر كتابه في اوائل العام المقبل ان المسيحية الصهيونية تشكل خطراً على اسرائيل وفلسطين واميركا والسلام. ونشرت صحيفة "بوسطن غلوب" اليوم مقالاً بقلم كارول تحت عنوان "الى الامام ايها الصهاينة المسيحيين" يقول فيه: "الأصولية هي المشكلة: ان هذا التأكيد يحدد اللازمة التشخيصية للصراع في الشرق الأوسط. المستوطنون اليهود، حركة "كتلة الإيمان" أو "غوش ايمونيم"، مع أجندتهم المتمثلة في استعادة اسرائيل التوراتية، يتم بحثها باعتبارها مثالا واحدا على الأصولية. الجهاديون المتدينون، الذين يسعون لإعادة إقامة الخلافة الإسلامية، يعتبرون مثالا آخر. المتعصبون المسيحيون يتم التحدث عنهم احياناً كالتحدث عن الاسترالي المختل عقلياً الذي أشعل النار في المسجد الاقصى عام 1969.

لكن كلمة "الأصولية" يمكن أن تزيد الغموض بقدر ما توفر التوضيح، وخاصة من حيث الطريقة التي يبدو أنها تجمع مصادر المتاعب لتضعها على حافة المعتقدات المتطرفة. وماذا إذا كان هناك تيار معتقدات رئيسي متجذر ليس في الشرق الأوسط وإنما في بريطانيا وأميركا، هو الأساس التاريخي لعقدة تستعصي حتى الآن على أي جهود لحلها؟ ليس المقصود المسيحيين اللاعقلانيين، ولكن المؤمنين العاديين. وماذا إذا كانت الأصولية، بكلمات أخرى، ليست الجريمة وإنما الدليل - الدليل على توجه ديني مدمر، لكنه واسع الانتشار يسهم في الجمود السياسي الذي ما يزال يعيق تحرك المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين؟

الصهيونية المسيحية هي اختزال لفكرة عودة اليهود إلى الأرض المقدسة كشرط مسبق لعودة يسوع المسيح، والخلاص النهائي للعالم. والذين يعتنقون هذه الفكرة حرفيا (ويُفهم، بهذا المنطق، أنهم أصوليون) كانوا لاعبين مركزيين في مأساة فلسطين لمدة قرنين تقريبا. وقد سيطرت فقرة من الانجيل على خيال مثل اولئك المسيحيين. ("آه إن إنقاذ اسرائيل سيخرج من صهيون! عندما سينهي الرب أسر شعبه، سيبتهج يعقوب، وستفرح اسرائيل"- الإصحاح 56:06 القديس بولس ردد هذا المقطع في سفر الرومانيين 11:26. والتقطه المسيحيون من ذلك الموضع).
مؤلف اميركي: الصهيونية المسيحية خطر على اسرائيل وفلسطين واميركا والسلام

تعود فكرة العودة اليهودية إلى صهيون كذروة لتاريخ الخلاص إلى زمن الأسر البابلي قبل ستة قرون تقريبا من ميلاد المسيح. ولا غرابة ربما في أن "الصحوة" الدينية المتحمسة خلال القرن التاسع عشر للبروتستانت الانجيليين تركزت على عودة اليهود حرفياً إلى وطنهم، حسب المعتقدات.

وقد اعتبرت الكاثوليكية مثل هذه العودة لعنة، لكن من يطلق عليهم "الرجوعيين" من البروتستانت لم يكن قلقهم على اليهود نابعاً من مشاعر مودة. وبدلا من ذلك، فان اليهود العائدين لا يعتبرون سوى أدوات للنصر النهائي للمسيحية. وسيكون امام اليهود الموجودين للمرة الثانية في اسرائيل إما خيار اعتناق المسيحية أو اللعنة.

وقد يبدو هذا شبيها بطلاسم دينية باطنية، لكن دوافعه تتمحور حول اثنين من اهم العناصر الثلاثة في إقامة دولة اسرائيل وبقائها: التدخل البريطاني في فلسطين، والدعم الأميركي للدولة اليهودية (العنصر الثالث، بالطبع، هو العزيمة اليهودية نفسها). أجل، كان لعوامل أخرى أهميتها دائماً، مثل التوسع الامبريالي والعلمانية الصهيونية، واحتياطيات النفط، وسياسات القوى العظمى. لكن الحماسة الدينية المسيحية كانت مشتعلة ومتواصلة. وهكذا، فعندما أرسل رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج، الذي كان ذات مرة واعظا معمدانيا، الفيلد مارشال إدموند أللنبي إلى فلسطين عام 1917، لم يكن الامر الاهم هو الاستراتيجية العسكرية أو الاستراتيجية السياسية. فقد طلب جورج من اللنبي "احتلال القدس قبل عيد الميلاد كهدية للشعب البريطاني".

كان القصد ان تكون الارض المقدسة مكان حلم الإنقاذ من أهوال خنادق الحرب. اما كون الحلم غير واقعي بالطبع، فسببه أنه لم يشمل العرب الذين كانوا يعيشون بالفعل في فلسطين. وقد كان بريطاني رجوعي مسيحي من القرن التاسع عشر هو الذي صاغ العبارة المغلوطة والقدرية "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".

لقد تسببت الرجوعية المسيحية في هجرة اوروبية كبيرة إلى فلسطين. فأحد أحياء القدس الغربية المعروف بـ "المستوطنة الألمانية" مثلا، استقر فيه انجيليون ألمان الفيو العقلية حضروا من أجل نشر المسيحية بين اليهود. وكذلك ايضا الـ"اميركان كولوني" التي يحمل اسمها فندق راق في القدس الشرقية حاليا. وفعليا فقد نمت الصهيونية المسيحية وازدادت قوة في الولايات المتحدة أكثر من اوروبا. وكان ما بين ثلث ونصف الاميركيين في القرن التاسع عشر مسيحيين انجيليين، وكانت هذه الرؤية تتملك معظمهم. وصار ما بدأ كهاجس مسيطر على الاتقياء ظاهرة عامة تؤثر حتى في أشخاص مستقلين وموضوعيين دينياً مثل إبراهام لنكولن الذي كتب عام 1863 أن "إعادة اليهود إلى وطنهم القومي في فلسطين هو حلم نبيل يشاركهم فيه الكثير من الأميركيين".

وعلى الدوام، كان الإنجاز اليهودي المتخيل يعتبر ضمنا لخدمة ليس لإثبات اليهودية، بل لنصر مسيحي غيبي.

وقد اشرنا في مقال سابق الى ان رفض الفاتيكان في 1948 الاعتراف بدولة اسرائيل كان انعكاساً للايمان الكاثوليكي بتشتت اليهود. وبطريقة مشابهة، وان تكن معاكسة، كان الايمان الانجيلي بلم شتات اليهود جزءاً مما دفع الرئيس هاري ترومان الى الاعتراف باسرائيل في غضون ساعات من اعلانها استقلالها. وصحيح ان ترومان كان لديه اسباب سياسية (الانتخابات المقبلة آنذاك) واخلاقية (انقاذ ضحايا هتلر) لاتخاذ قراره ذاك، لكن اقترانه على مدى حياته بالاجندة المسيحية الصهيونية، كمعمداني وعضو في اللجنة الاميركية المسيحية الخاصة بفلسطين كانا قد اعداه لذلك اعداداً عميقاً. ومنذ ذلك الحين عكست سياسة الولايات المتحدة بالمثل مزيجاً من سياسات القوة، والاعتبارات الانتخابية والالتزام الاخلاقي العميق. ومع ذلك فان الاميركيين فخورون بما فعله ترومان. ويدرك معظمهم انه اياً تكن تعقيدات دوافعه، فان دعم اسرائيل كان الامر الصحيح الذي ينبغي عمله. ومع الاسف، كما كان الحال بالنسبة الى اولئك المسيحيين الاصوليين في القرن التاسع عشر، تعامت هذه الرؤية عن الوجود الفعلي للعرب والفلسطينيين واحوالهم المعيشية. وقد كان العام 1948 عاماً مشهوداً بالنسبة الى هؤلاء، وما زالو في انتظار اعتراف كامل بهم.

وكان الحماس الديني المسيحي الذي اصبح تيارا باطنيا رئيسيا، قد خرج إلى العلن كركن معترف به من السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط مع وصول ما يسمى باليمين المتدين.

وكان رائد هذا التحول هو القس جيري فالويل، الذي يعرف بزعيم "الأكثرية الأخلاقية". ومع الرئيس رونالد ريغان، الذي التقى بفالويل أكثر من أي زعيم ديني آخر، قام فالويل بإعادة إحياء الفانتازيا المسيحية الصهيونية المتمثلة باعادة لم شمل الشعب اليهودي تمهيداً لعودة المسيح.

وقد عمل ريغان وفالويل معاً على وضع الأسس لجعل الحزب الجمهوري حاضنا للوطنية المسيحية الأميركية، ولتمتين العلاقات بين اليمين المسيحي، الذين بات له وجود قوي في الكونغرس، وحكومة إسرائيل. وكلما كانت الحكومة مشاكسةً اكثر، كلما أحبها اولئك المسيحيون، ليس فقط لأنهم يتصورون إسرائيل "الإنجيلية" في كل انحاء فلسطين، وإنما ايضاً لانهم يرون اسرائيل، منذ أحداث 11 ايلول (سبتمبر) كواجهة في صدام الحضارات المعادي للاسلام، على الرغم أن معظم الاسرائيليين لا يرون الأمر بالمنظار نفسه. في الوقت نفسه، تنظر غالبية الأميركيين باندهاش بينما باتت المعالم المسيحية تقتحم علنا الحياة العامة، مهددة بجعل الإيمان بالمسيح ركنا من أركان المواطنة الكاملة.

ولعل المفارقة هنا لافتة، ذلك ان القادة الاسرائيليين، في تطبيقهم اعلى درجات السياسة الواقعية، يتعاونون بسرور مع حركة دينية اميركية رجعية تهدف بشكل اساسي، برغم تقليلها من شأن ايدلوجيتها المتصلة بنهاية الزمن التي تزدري اليهود، الى القضاء على الديانة اليهودية. وبالتالي، فإن القادة الإسرائيليين الذين يعتمدون على مثل اولئك المسيحيين يستبدلون بالافادة من منافع آنية مخاطر بعيدة الأمد.

إن الصهيونية الأميركية المسيحية هي شكل فتاك من التطرف العصري. فلكونها غير انتقادية دينياً، وانتصاريةً لدرجة خطرة، تعتبر سيئة بالنسبة الى اسرائيل، وفلسطين، واميركا والسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق