الصفحات

قال صلى الله عليه وسلم: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر» .

الاثنين، 12 مارس 2012

المهمة الفاشلة

باتريك بوكانان
ترجمة/ حسن شعيب

بالنسبة للجيش والبحرية الأمريكية التي قُتل من جنودها 4500، وأصيب أكثر من 30 ألفًا آخرين، كثيرون منهم أصبحوا معاقين، تعتبر ثاني أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة قد وضعت أوزارها, بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق.

في أول مايو عام 2003, وعلى متن حاملة الطائرات "ابراهام لينكولن" وقف الرئيس السابق جورج دبليو بوش يتحدث إلى جنوده وكانت اللافتة الضخمة وراءه تعلن أن "المهمة أُنجزت", وقد كان ذلك  قبل ثمان سنوات, فهل أنجزت المهمة؟

أما صفحة التحرير في جريدة واشنطن بوست, الداعمة للحرب, فقامت بالإجابة على هذا السؤال حينما لخصت وصف الانتهاء من الحرب على العراق في قولها:"لا يزال تنظيم القاعدة ينفذ هجماته, كما أن المد الإيراني في العراق ما زال يعمل, ونشوب صراع على السلطة بين شمال العراق المحكوم من الأكراد وحكومة مالكي, بالإضافة إلى شعور مزيد من العراقيين بالقلق بعد رحيل القوات الأمريكية هذا الشهر, إزاء إمكانية استئناف العنف الطائفي الذي اجتاح البلاد بين عام 2002 و 2007 ".

حتى هذه اللحظة, لم يرجع جميع الأمريكيين من العراق, وما زال هناك 16 ألفًا باقون في القلعة الضخمة التي توجد في السفارة الأمريكية وفي القنصليات المحصنة في البصرة وأربيل وكركوك, وقد استعدت هذه الأماكن الأربعة بحيث اكتفت ذاتيا, حتى يتسنى للجنود الأمريكيين الإقامة فيها بأمان بعد كشف وول استريت جورنال "أن الوضع الأمني في شوارع العراق محفوف بالمخاطر".

لذلك تلاحظ أن في كل وظيفة دبلوماسية أمريكية في العراق, ومنها دبلوماسي وزارة الخارجية, حيث تتجاوز أعداد أفراد شركات الأمن الخاصة الموظفين, خمسة آلاف منهم لتوفير الحماية وتأمين السفر فحسب, كما حذر السفير الأمريكي جيمس جيفري من المخاطر التي سيتعرض لها الدبلوماسيون الأمريكيون الباقون في العراق حينما قال: "إذا ما أردنا النزول إلى السوق الاقتصادية في العراق للانخراط في المجتمع العراقي بأي وسيلة بارزة فسيكون من الصعب للغاية حماية مواطنينا".

كما ذكرت قناة "إن بي سي" التلفزيونية الأمريكية مؤخرا, أن خمس عربات محملة بأفراد من البلاك وتر الأمنية كانت ضرورية للغاية لمرافقة مُدرسين أمريكيين للحماية ليذهبوا لحضور اجتماع في فندق بالعاصمة بغداد.

كل هذا بعد مرور أكثر من ثماني سنوات على الإطاحة بصدام حسين وتدخل أمريكا في تكوين حكومة عراقية ديمقراطية, إذن فما هو نوع الانتصار الذي حققة الأمريكان إذا كان دبلوماسيوها يخشون على حياتهم إلى هذه الدرجة؟

هل حقا, استطاع الأمريكان أن يكسبوا عقول وقلوب الشعب العراقي, في حين أنهم يقومون بإحراق العلم الأمريكي في الفلوجة للاحتفال برحيل القوات الأمريكية؟ ولماذا يهتف العراقيون فرحا برحيل الأمريكان بينما لم يفعلوا ذلك مع رحيل الطاغية صدام حسين؟

بل وما الذي حققته الولايات المتحدة سوى مزيد من انتشار الكراهية لأمريكا وتعريض دبلوماسييها وحياتهم للخطر الدائم؟ لذلك قال فريد كيجان, من المحافظين الجدد والمتحمسين للحرب على العراق: "إن كل من يعتقد أن الأمور ستسير على ما يرام بعد الانسحاب فهو واهم ويجري وراء سراب".

وأشار كيجان إلى "أن إدارة اوباما تفتقر إلى رؤية وإستراتيجية حقيقية, كما يفتقر النظام في بغداد إلى القدرة على تأمين  المصالح الأساسية للولايات المتحدة في العراق", مضيفًا "أن النظام الجديد لن يتمكن من الحفاظ على الدولة ولا يعرضها للانهيار, أو وقوع حرب أهلية, ويقوم بمكافحة تعاظم التأثير الإيراني الشيعي".

علاوة على ذلك, كتب كيجان قائلاً: "إن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قام بتفكيك المجتمع العراقي متعدد الأعراق عبر التسوية السياسية الطائفية", وبهذه الطريقة تكون كل الإنجازات التي تدعي الولايات المتحدة تحقيقها طوال تسع سنوات من الاحتلال للعراق في خطر.

بفرض أن هذه الكوارث التي ذكرها كيجان لن تقع في العراق, فما معني أنه لا يوجد حماية وضمان لهذه الإنجازات؟ وما نوع الانتصار أو المهمة التي أنجزتها الولايات المتحدة في العراق؟ وما الذي أنجزته القوات الأمريكية في الحرب التي أزهقت دماء الكثيرين من الشعب العراقي, فضلا عن الخسائر الأمريكية؟

فهل حقا استطاعت الولايات المتحدة أن تحقق ما قاله الرئيس أوباما لقواته في قاعدة فورت براج: "سوف نرحل تاركين وراءنا العراق دولة ذات سيادة ومستقرة ومعتمدة على ذاتها من خلال حكومة تم انتخابها بواسطة الشعب"؟.

بل إن الواقع يقول أنه لم يبق في العراق سوى دولة ممزقة تتقاتل فيما بينها, فالأكراد يسعون حثيثا نحو الاستقلال عن بغداد, والمالكي يذيق السنة ويلات القمع والتهميش والحرمان كي لا تقوم لهم قائمة أو يعودوا من جديد إلى الحكم أو حتى المنافسة على السلطة.

قد تكون الولايات المتحدة خُدعت أو غُرر بها حينما اعتقدت أن صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل جاهزة للاستخدام, وأنه الشخص الذي يقف وراء أحداث 11 سبتمبر, لكن ما يثير الدهشة حقا, أنه برغم أن بوش وشركاءه خططوا لشن هذه الحرب على العراق منذ 11 سبتمبر, إن لم يكن قبلها, فلم يفكر فيها أحد قبل البدء, لذلك قال جون ماكين: "تقريبا, كانت هذه الحرب ضياعا".

الأدهى من ذلك, وبرغم هذه الكارثة التي ربما تحيق بالأمريكان في العراق, فيبدو أن صقور الحرب في الولايات المتحدة يريدون العودة من جديد لمستنقع آخر من خلال تقديم حجج وذرائع هاوية ومماثلة جديدة لخوض حرب في إيران.

المصدر بالإنجليزية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق